بعد زلزال سياسي ضرب حكومة حزب العمال، استقالت على إثره نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر، أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر عن تعديل وزاري واسع، أبرز ملامحه تعيين شابانا محمود وزيرة للداخلية، في خطوة تاريخية تجعلها أول امرأة مسلمة تتقلد هذا المنصب الرفيع في تاريخ المملكة المتحدة.
يأتي هذا التعيين في لحظة مفصلية تشهد فيها الساحة البريطانية جدلاً متصاعدًا حول سياسات الهجرة، وأزمة عبور القوارب الصغيرة، واستخدام الفنادق كمراكز لإيواء اللاجئين. وتولي محمود حقيبة الداخلية خلفًا لإيفيت كوبر، التي استقالت من منصبها، يضعها مباشرة في مواجهة أكبر التحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجه البلاد.
وعبرت محمود- في أول تصريحاتها- عن "فخرها الكبير" بهذا التكليف، مؤكدة أن "سلامة المواطنين البريطانيين ستكون أولويتها القصوى". وأضافت أنها ستعمل على تحقيق توازن دقيق بين ضمان الأمن الداخلي واحترام القيم الإنسانية، وهو وعد يحمل دلالات كبيرة في ظل الانقسامات الحادة حول هذه الملفات.
شابانا محمود، التي ولدت في برمنغهام عام 1980 لأسرة باكستانية، وصقلت خبرتها القانونية في جامعة أكسفورد، بدأت مسيرتها السياسية عام 2010. في ذلك العام، أصبحت واحدة من أوائل النساء المسلمات اللاتي وصلن إلى البرلمان البريطاني، ممثلة عن دائرة برمنغهام ليديوود.
لم تكن مسيرتها خالية من الصعود والهبوط؛ فبعد أن شغلت مناصب مهمة في حكومة الظل، ابتعدت عن الواجهة السياسية خلال عهد جيريمي كوربين، لتظهر بقوة مجددًا مع تولي كير ستارمر قيادة الحزب. في عام 2023، عادت لتتولى منصب وزيرة العدل في حكومة الظل، قبل أن تحصد ثمرة جهودها بتولي حقيبة العدل في الحكومة الرسمية بعد فوز حزب العمال في انتخابات 2024.
وبصفتها وزيرة للعدل، تركت محمود بصمة واضحة عبر معالجة أزمة اكتظاظ السجون بفاعلية، وإطلاق برامج للإفراج المبكر عن بعض السجناء، وتقديم مشروع قانون لإصلاح نظام العقوبات.
لكن ما لفت الانتباه بشكل خاص هو مواقفها الصريحة والحازمة تجاه الهجرة. لم تتردد في الدفاع عن سياسات ترحيل أكثر صرامة، ووجهت رسالة لا لبس فيها إلى كل من يخالف قوانين البلاد، بقولها: "إذا أسأتم استغلال ضيافتنا وخالفتم قوانيننا، فسنطردكم". كما أبدت انفتاحها على إعادة تقييم العلاقة مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، في خطوة قد تمهد الطريق أمام إصلاحات جذرية في السياسات الأمنية والحدودية.
يُنظر إلى شابانا محمود اليوم على أنها من أبرز وجوه الإصلاح داخل حزب العمال، وقد وصفها اللورد جلاسمان، مؤسس "حزب العمال الأزرق"، بأنها "رائعة" و"زعيمة جناحنا في الحزب"، مما يؤكد مكانتها المتنامية وقدرتها على رسم ملامح جديدة للمشهد السياسي البريطاني.
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com